معجزة نقل جبل المقطم – التى جعلت المعز لدين الله الفاطمى يعتنق المسيحية

فى عهد المعز لدين الله الفاطمى أول حكام الدولة الفاطمية في مصر ، كان له وزيراً اسمه يعقوب بن كلس ، كان يهوديا واسلم ، وكان له صديق يهودي ، كان يدخل به إلى المعز اكثر الأوقات ويتحدث معه ، فاتخذ ذلك اليهودي دالة الوزير علي المعز وسيلة ليطلب حضور الاب البطريرك ليجادله ، فكان له ذلك ، وحضر الاب ابرام ومعه الاب الانبا ساويرس ابن المقفع أسقف الاشمونين ، وأمرهما المعز بالجلوس فجلسا صامتين ، فقال لهما “ لماذا لا تتجادلان ؟ “ فأجابه الأنبا ساويرس “ كيف نجادل في مجلس أمير المؤمنين من كان الثور اعقل منه “ فاستوضحه المعز عن ذلك ، فقال إن الله يقول علي لسان النبي ” ان الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه أما إسرائيل فلا يعرف ( اش 1 : 2 ) ” ثم جادلا اليهودي وأخجلاه بما قدما من الحجج الدامغة المؤيدة لصحة دين النصارى ، وخرجا من عند المعز مكرمين ، فلم يحتمل اليهودي ولا الوزير ذلك ، وصارا يتحينان الفرص للإيقاع بالنصارى ، وبعد ايام دخل الوزير علي المعز وقال له إن مولانا يعلم إن النصارى ليسوا علي شئ ، وهذا إنجيلهم يقول “لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل ” ولا يخفي علي أمير المؤمنين ما في هذه الأقوال من الادعاء الباطل ، وللتحقق من ذلك يستدعي البطريرك لكي يقيم الدليل علي صدق دعوى مسيحهم ، ففكر الخليفة في ذاته قائلا “إذا كان قول المسيح هذا صحيحا ، فلنا فيه فائدة عظمي ، فان جبل المقطم المكتنف القاهرة ، إذا ابتعد عنها يصير مركز المدينة اعظم مما هو عليه الآن ، وإذا لم يكن صحيحا ، تكون لنا الحجة علي النصارى ونتبرز من اضطهادهم ، ثم دعا المعز الاب البطريرك وعرض عليه هذا القول ، فطلب منه مهلة ثلاثة ايام فأمهله، ولما خرج من لدنه جمع الرهبان والأساقفة القريبين ، ومكثوا بكنيسة المعلقة بمصر القديمة ثلاثة ايام صائمين مصلين إلى الله ، وفي سحر الليلة الثالثة ظهرت له السيدة والدة الإله ، وأخبرته عن إنسان دباغ قديس و هو سمعان الخراز ، سيجري الله علي يديه هذه الآية ، فاستحضره الاب البطريرك وأخذه معه وجماعة من الكهنة والرهبان والشعب ، ومثلوا بين يدي المعز الذي خرج ورجال الدولة ووجوه المدينة إلى قرب جبل المقطم ، فوقف الاب البطريرك ومن معه في جانب ، والمعز ومن معه في جانب أخر ، ثم صلي الاب البطريرك والمؤمنون وسجدوا ثلاث سجدات ، وفي كل سجدة كانوا يقولون كيرياليسون يارب ارحم ، وكان عندما يرفع الاب البطريرك والشعب رؤوسهم في كل سجدة يرتفع الجبل ، وكلما سجدوا ينزل إلى الأرض ، وإذا ما ساروا سار أمامهم ، فوقع الرعب في قلب الخليفة وقلوب أصحابه ، وسقط كثيرون منهم علي الأرض ، وتقدم الخليفة علي ظهر جواده نحو الاب البطريرك وقال له ، أيها الأمام ، لقد علمت الآن انك ولي ، فاطلب ما تشاء وأنا أعطى ، فلم يرض إن يطلب منه شيئا ، ولما ألح عليه قال له “أريد عمارة الكنائس وخاصة كنيسة القديس مرقوريوس ( أبو سيفين ) التي بمصر القديمة ، فكتب له منشورا بعمارة الكنائس وقدم له من بيت المال مبلغا كبيرا ، فشكره ودعا له وامتنع عن قبول المال فازداد عند المعز محبة نظرا لورعه وتقواه .

و قد سجل الانبا ساويرس ابن المقفع أسقف الاشمونين هذه المعجزة ، بصفته شاهد عيان و سط المئات من شهود العيان ،  فى كتاب تاريخ البطاركة ، و قد سجلتها الباحثة مدام بوتشر المؤرخة البريطانية فى كتابها “تاريخ الكنيسة القبطية” . بجانب أن العديد من المسلمين تخوفوا من أنتشار خبر هذه المعجزة ، و أختلقوا القصص الوهمية و خافوا من قول الحقيقة التى ترجح كفة المسيحية بنسبة مليون المائة .

و قد أستطردت مدام بوتشر و قالت أن المعز لدين الله الفاطمى قد آمن بالمسيح و تعمد و أصبح مسيحى ، و لكن المسلمين لا تستطيع أن تستخلص من تاريخهم شئ مفهوم فلم يذكروا بشكل علنى أرتداد المعز و أعتناقه المسيحية ، و لكن المؤرخين الأقباط أعلنوا حقيقة تنصر المعز لدين الله الفاطمى .

أيدت هذه المعجزة براهين موجودة حتى الآن :

* كان صوم الميلاد 40 يوم ، أضيف له الثلاثة أيام تذكار صوم نقل جبل المقطم ، و لذلك فإن صيام الميلاد الآن 43 يوم.

* عيد القديس سمعان الخراز ونقل جبل المقطم 27 نوفمبر من كل عام وتقام الصلوات من 25 – 27 نوفمبر.

* بل آنه أيضاً ذُكر فى كتاب ( المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار ) للمؤرخين : أحمد بن علي بن عبد القادر ، الحسيني ، العبيدي ، المقريزي ، تقي الدين ، أبو العباس – الجزء الأول – الفصل 26 من 167 بالتحديد تحت عناون ذكر الجبال” وجبل المقطم‏:‏ يمرّ على جانبي النيل الى النوبة ويعبر من فوق الفيوم فيتصل بالغرب ” ، كما مذكور أيضاً فى نفس الكتاب و نفس الفصل : “ذكر الجبل المقطم اعلم انّ الجبل المقطم اوّله من الشرق من الصين حيث البحر المحيط ويمرّ على بلاد الططر حتى ياتي فرغانة الى جبال اليتم الممتدّ بها نهر السغد الى ان يصل الجبل الى جيحون فيقطعه ويمضي في وسطه بين شعبتين منه وكانه قطع ثم في وسطه ويستمرّ الجبل الى الجورجان وياخذ على الطالقان الى اعمال مرو الرود الى طوس فيكون جميع مدن طوس فيه ويتصل به جبال اصبهان وشيراز الى ان يصل الى البحر الهندي وينعطف هذا الجبل ويمتدّ الى شهر زور فيمرّ على الدجلة ويتصل بجبل الجوديّ موقف سفينة نوح عليه السلام في الطوفان ولا يزال هذا الجبل مستمرًّا من اعمال امد وميافارقين حتى يمرّ بثغور حلب فيسمى هناك جبل اللكام الى ان يعدّي الثغور فيسمى نهرًا حتى يجاوز حمص فيسمى لبنان ثم يمتدّ على الشام حتى ينتهي الى بحر القلزم من جهة ويتصل من الجهة الاخرى ويسمى المقطم ثم يتشعب ويتصل اواخر شعبه بنهاية الغرب‏” و مذكور أيضاً : “والذي ذكره العلماء‏:‏ انّ المقطم ماخوذ من القطم وهو القطع فكانه لما كان منقطع الشجر والنبات سمي‏:‏ مقطمًا ذكر ذلك عليّ بن الحسن الهناءي الدوسي المنبوذ بكراع وغيره‏.‏”

* كما أن هناك سرداب عبارة عن ممر للهروب من الأضطهاد أو الهجوم المفاجئ بالكنيسة المعلقة بمصر القديمة و قد بُنى هذا الممر من أسفل الكنيسة حتى موضع جبل المقطم قبل حدوث المعجزة ، و بالتالى فإن نهاية السرداب الآن ليست عند موضع جبل المقطم الحقيقى .

كما أن مارك بولو الرحالة المشهور عالمياً قد سجل هذه المعجزة : (انظر فى نهاية الصفحة ما كتبه نيافة الأنبا سارافيم عن تسجيل مارك بولو لأحداث المعجزة).

معجزة نقل جبل المقطم :

( من كتاب : سيرة  قديس سمعان الخراز ” الدباغ ”  كنيسة القديس سمعان الدباغ بجبل المقطم بالقاهرة)

  1. الأحداث التى مهدت للمعجزة
  2. انقشاع الغمة
  3. المعجزة الخارقة
  4. نتائج المعجزة
  5. تخليد ذكرى المعجزة
  6. بحث فى تحديد تاريخ المعجزة

1) الأحداث التى مهدت للمعجزة

1) المجادلة الدينية الحادة :

كان  المعز لدين الله الفاطمى – كما قلنا سابقاً – محباً لمجالس الأدب ، ومولعاً بالمباحثات الدينية ، وكان يجمع رجال الدين من المسلمين والمسيحيين واليهود للمناقشة فى مجلسه ، وأشترط أن يكون ذلك بلا غضب أو خصام …

وكان فى ديوان المعز رجل يهودى أعتنق الأسلام لكى يعيين وزيراً فى الدولة ، وكان أسم هذا الرجل ” يعقوب بن كلس ” .

ورغم أنه أعتنق الأسلام إلا أنه مازال متعصباً لدينه اليهودى، لأنه لم يعتنق الأسلام عن عقيدة بل لأجل المنصب . وكان هذا اليهودى يبغض المسيحيين إلى أقصى درجة ، خاصة وأنه كان له خصم مسيحى يعزه الخليفة ، وكان اليهودى يخشى أن يعينه وزيراً عوضاً عنه ، وكان اسمه ” قزمان بن مينا الشهير بأبو اليمن ” فأستدعى يعقوب بن كلس اليهودى واحداً من بنى قومه يُدعى ” موسى ” ليجادل البابا البطريرك الأنبا ابرآم فى مجلس الخليفة المعز …

أرسل الخليفة للآب البطريرك قائلاً :- إن شئت يوماً أن تحاجج اليهود بنفسك أو بواسطة من تختار من الأساقفة ، فتعال إلى دارى وناقشهم أمامى ..

حدد البابا الأنبا ابرآم موعداً لذلك ، وأصطحب معه الأنبا ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين ( بالصعيد ) وكان من علماء الكنيسة فى جـــيله ، فهو الذى كتب تاريخ ” سير البطاركة ” وكان أيضاً لاهوتياً ضليعاً ، وخاصة فى اللاهوت المقارن بين الأديان ، وله كتب كثيرة فى هذا المجال منها : كتاب التوحيد ، وكتاب الأتحاد الباهر فى الرد على اليهود … وكتب كثيرة أخرى .

وعندما أستقر مجلس الخليفة ، وكان حاضراً أيضاً الوزير بن كلس اليهودى ، ورفيقه موسى .

 فقال المعز للبابا:- تكلم أيها البابا الوقور ، أو أمنح رفيقك الأذن بالكلام.

فقال البابا لأسقف الأشمونين الأنبا ساويرس :- تكلم يأبنى . ولتمنحك الحكمة الألهية حكمة من لدنها.

فقال الأنبا ساويرس بفطنة روحية :- ليس من اللائق أن أتحدث إلى يهودى فى حضرة الخليفة .فأحتد موسى اليهودى رفيق الوزير وقال :- إنك تهيننى فى مسمع من أمير المؤمنين إذ تصفنى بالجهل .

فسأله الأنبا ساويرس بهدوء :- وإن قدمت لكَ الدليل على جهلك ، أفلا تغضب ؟

وهنا تدخل الخليفة المعز بسماحته وبلاغته قائلاً :- لا داعى للغضب فى المناقشة ، لأن الحرية مكفولة لكل منكم ، حتى يعبر كل واحد عن عقيدته بصراحة وبلا حرج .

فقال الأنبا ساويرس بثقة :- لست أنا الذى أصفكم بالجهل ، بل أن نبياً عظيماً نال كرامة خاصة من الله هو الشاهد عليكم .

فسأله موسى اليهودى قائلاً :- ومن يكون هذا النبى ؟

أجابه الأنبا ساويرس على الفور :- أنه أشعياء النبى الذى قال عنكم : ” الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه ، أما أسرائيل فلا يعرف شعبى لايفهم “( أش 1 : 3 ) .

فأنفجر الخليفة المعز ضاحكاً ، إذ أُعجب بفطنة الأنبا ساويرس ، وأُعجب بمهارته فى الحوار …

ثم سأل الخليفة موسى اليهودى قائلاً :- أهذه كلمات أشعياء النبى حقاً ؟

فكتم موسى اليهودى غيظه ، فأجاب بصوت خفيف :- نعم يامولاى .

فأستطرد الأنبا ساويرس فى الكلام قائلاً :- ها أن نبياً عظيماً من أنبيائكم قد أعلن بأن الحيوانات أكثر فهماً منكم .

وكان الخليفة لايزال ثملاً من براعة هذه الدعابة ، ورأى أن يكتفى بذلك فى تلك الجلسة .

2) المؤامــــرة الخبيثة :

كان من أثر تلك المجادلة الحادة أن تضايق الوزير بن كلس للغاية ، هو ورفيقه موسى اليهودى … فقررا الأنتقام من الأنبا ابرآم والأنبا ساويرس  بتدبير مؤامرة تقضى على الأقباط جميعاً . فأخذ موسى اليهودى يفتش فى الأنجيل المقدس عن شئ يساعده فى تحقيق غرضه الخبيث ، فوجد الآية المقدسة التى قالها رب المجد يسوع المسيح ” لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل ، لكنتم تقولون لهذا الجبل أنتقل من هنا إلى هناك فينتقل ، ولايكون شئ غير ممكن لديكم ” ( مت 17 : 20 ) .

أسرع موسى اليهودى مع الوزير بن كلس إلى الخليفة المعز ، وقالا له :- وجدنا فى أنجيل النصارى أنه مكتوب ” أن من له إيمان مثل حبة خردل ينقل الجبل” فمن حقنا أن نطالبهم بإثبات صحة دينهم بإتمام هذا الكلام . فإن لم يستطيعوا وجب عقابهم لبطلان دينهم …

صمت الخليفة المعز لدين الله الفاطمى مفكراً فى هذه الآية ، ورأى أنه إذا كان كلام الآنجيل صحيحاً فتكون فرصة ذهبية لإزاحة الجبل الجاثم شرق المدينة الجديدة (القاهرة) حتى يزيد عمرانها شرقاً ، ويكون موقعها أروع إذ كان الجبل قبل نقله على حدود بركة الفيل  (24)  … أما إذا عجزوا عن تنفيذ هذا الكلام ، كان ذلك دليلاً قاطعاً على بطلان دين النصارى ، ومن ثمَ تحتم إزالة هذا الدين من الوجود .

أرسل الخليفة المعز إلى البابا الأنبا ابرآم السريانى ، فحضر اليه وتكلم معه عن أمر هذه الآية ، وأن عليه أن يختار أمراً مما يآتى :-

1) إما تنفيذ هذه الوصية ، ونقل الجبل الشرقى المقطم .

2) وإما أعتناق الإسلام ، وترك الدين المسيحى لبطلانه .

3) وإما ترك البلاد المصرية والهجرة إلى أى بلد آخر .

4) أو الأبادة بحد السيف .

أطرق القديس البطريرك مصلياً فى قلبه ، ليرشده الرب فى هذه المحنة … ثم طلب من الخليفة أن يمهله ثلاثة أيام ، ثم يرد عليه جواباً .

3) المنادة بصوم واعتكاف :

رجع البابا إلى مقره حزيناً ، وأصدر منشوراً عاماً يأمر فيه جميع المسيحيين فى مصر بالصوم ثلاثة أيام إلى الغروب ، مع أقامة الصلوات الحارة من أجل سلامة الكنيسة ، وأنقاذها من هذه المحنة … يالها بصيرة روحية وحكمة سماوية .. تلك التى تلجأ إلى الله فى الظروف والمحن .. فما اروع ماتصليه الكنيسة فى القداس الألهى قائلة : ” لأننا لانعرف آخر سواك .. أسمك القدوس هو الذى نقوله فتحيا نفوسنا بروحك القدوس … “

بعد ذلك ذهب البابا إلى كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالمعلقة ، وطلب الأساقفة الذين كانوا موجودين بمصر القديـــمة ، والكهنة والأراخنة والرهبان … وذكر لهم ماحدث بينه وبين الخليفة المعز ، وقال لهم :

– علينا بالصوم والصلاة هذه الأيام الثلاثة التى أستمهلته أياها ، ليترأف الله علينا بنعمته ، ويهئ لنا طريق النجاة .

أستجاب الجميع لنداء البابا ، وصام الشعب القبطى فى طول البلاد وعرضها ، وأقيمت القداسات ، ورُفِعَت الصلوات والطلبات من أجل هذه المحنة التى تجتازها الكنيسة ..

وأعتكف البابا الأنبا ابرآم ، مع بعض الأساقفة والكهنة والرهبان والأراخنة بكنيسة السيدة العذراء بالمعلقة لمدة هذه الأيام الثلاثة ..

2) إنقشاع الغمـــــــــة

1) ظهور السيدة العذراء للبابا :

فى فجر اليوم  الثالث ، غفا البابا غفوة قصيرة ، فرأى خلالها السيدة العذراء ، وسمعها تقول له :

– ماذا بكَ ؟

فأجابها البابا :- أنتِ تعلمين ياسيدة السمائيين والأرضيين .

فقالت له :- لاتخف أيها الراعى الأمين … فإن دموعك التى سكبتها فى هذه الكنيسة ، مع الأصوام والصلوات التى قدمتها أنتَ وشعبك  لن تُنسى …

أخرج الآن من الباب الحديدى المؤدى إلى السوق، وعند خروجك منه ستجد أمامك رجلاً بعين واحدة ، حامل جرة ماء … أمسك به ، لأنه الرجل الذى ستتم المعجزة على يديه …

وما ان قالت السيدة العذراء ذلك حتى توارت عن عيني البابا  الذى أستيقظ من نومه مندهشاً .

2) مبعوث السماء القديس سمعان :

عندما أستيقظ البابا من النوم وخرج فى الحال إلى الباب الحديدى المؤدى إلى السوق ، رأى خارجه الرجل الذى أشارت إليه السيدة العذراء ، فأمسك به … وأدخله داخل الباب الحديدى ، ثم أغلق الباب … ثم ذكر البابا له ما حدث بينه وبين الخليفة ، وما أمرته به السيدة العذراء ، بأنه هو الرجل الذى ستتم على يديه المعجزة …

فقال له القديس سمعان :- أغفر لى يا أبتى ، فأنى رجل خاطئ .

فقال له البابا فى أصرار :- أنه أمر أم النور …

فأجاب القديس سمعان فى خضوع وأتضاع :- مادامت أم النور هى التى حكمت علىّ بأن أوّدى هذا الواجب العظيم ، فأنى أضع نفسى فى خدمتك ياسيدى .

فسأله البابا عن أسمه ، وعن سبب وجوده فى السوق فى مثل هذه الساعة المبكرة ، بينما الناس نيام …

فأجابه القديس سمعان :- أسمى سمعان الخراز . وأنا أشتغل بدباغة الجلود، ولكنى أقوم فى مثل هذه الساعة من كل صــباح لأملأ قربتى بالماء ، وأوزعه على الكهول والمرضى الذين أقعدتهم الشيخوخة أو المرض عن المقدرة على أحضار الماء لأنفسهم ..

وعندما أنتهى من خدمتى هذه ، أُعيد قربتى إلى البيت وأذهب إلى عملى عند صاحب مصنع الدباغة حيث أعمل حتى المساء ، وعند غروب الشمس ، أخرج مع بقية الأُجراء ، فأكل القليل لأسد به رمقى ، ثم أنصرف إلى الصلاة ..

ثم رجا القديس سمعان من البابا أن يكتم حقيقة أمره طالما هو حى على هذه الأرض .

3) التجهيزات للمعجزة :

بعد أن أنتهى القديس سمعان من حديثه السابق ، قال للآب البطريرك :- أصعد يا أبى المكرم إلى الجبل ، وخذ معك رجال الدين والشمامسة والأراخنة ، وأجعلهم يحملون عالياً الأناجيل والصلبان والشموع الطويلة موقدة والمجامر مملوءة بخورا ً .وأطلب إلى الملك وحاشيته أن يصعدوا معكم .. فتقفوا أنتم على ناحية من الجبل ، بينما يقفوا هم على الناحية المقابلة لكم ، وسأقف أنا وسط الشعب خلف غبطتكم بحيث لايعرفنى أحد .

ثم إنك بعد تقديم الأسرار المقدسة ، ترفع صوتك مع الجميع مرددين ” كيرياليسون ” أربعمائة مرة .

ثم أصمت بعد ذلك بعض اللحظات ، ثم أسجد أنت والكهنة أمام العلى ، وكرر هذا العمل ثلاث مرات ، وفى كل مرة تقف فيها بعد السجود ، أرسم الجبل بعلامة الصليب ، وسترى مجد الله …

فرفع الآب البطريرك صـــلاة شـــكر لله الذى ســـمح بالتجـــربة ، وأعطـى معها أيضاً المنفذ . (1كو10 : 13) .

3) المعجــزة الخـــارقة

1) حشــــد رهــــيب :

أخبر الآب البطريرك الخليفة المعز لدين الله الفاطمى، أنه مستعد لتنفيذ مطلبه بنعمة الله … فخرج الخليفة ممتطياً صهوة جواده ، ومعه حشد رهيب من رجال حاشيته وعظمائه وجنوده .. وتقابل مع الآب البطريرك وعدد كبير من الأساقفة والكهنة والشمامسة والأراخنة والشعب وبينهم القديس سمعان الخراز .. ووقف الفريقان كما قال القديس سمعان ، مقابل بعضهما فوق جبل المقطم .

2) زلزلة عظيمة وأنتقال الجبل :

بعد تقديم الأسرار المقدسة التى رفعها البابا والأساقفة، ردد المصلون بروح منكسرة وقلوب منسحقة صلاة  “كيرياليسون – يارب أرحم”  أربعمائة مرة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ..

ثم صمتوا برهة بين يدى العلى .. وأبتدأوا فى السجود والقيام ثلاث مرات ، والآب البطريرك يرشم الجبل بالصليب ، وإذ بزلزلة عظيمة تجتاح الجبل ، وفى كل سجدة يندك الجبل ، ومع كل قيام يرتفع الجبل إلى أعلى وتظهرالشمس من تحته ، ثم يعود إلى مكانه فى كل مرة … (27) .

إنها قوة الإيمان الذى أعلنه معلمنا الرسول بولس إذ قال : ” أستطيع كل شئ فى المسيح يسوع الذى يقوينى ” ( فى 4 :13 )

3) أرتعاب الخليفة والجماهير :

عندما حدثت المعجزة ، فزع الخليفة المعز ، وأرتعب، وكل الجموع المحتشدة معه ، وهتف المعز بأعلى صوته

قائلاً :- عظيم هو الله ، تبارك أسمه ..وألتمس من البابا أن يكف عن عمله ، لئلا تنقلب المدينة .

وعندما هدأت الأمور قال للبابا :- لقد أثبتم أن إيمانكم هو إيمان حقيقى ..

4) أختفاء القديس سمعان الخراز :

بعد أن هدأت نفوس الجموع المحتشدة ، بدأوا  ينزلون من الجبل ليعودوا إلى بيوتهم .أما البابا البطريرك فقد تلفت حوله باحثاً عن القديس سمعان الخراز الذى كان يقف خلفه ، فلم يجده ، ولم يعثر أحد عليه بعد ذلك … حتى أظهرته نعمة الله فيما بعد – كما سنرى .

5) تسمية الجبل بالمقطم :

تحكى مخطوطة بدير الأنبا أنطونيوس أن الجبل المقطم سُمى كذلك أى المقطم أو المقطع ، أو المقطب ، لأن سطحه كان متساوياً أى متصلاً ، فصار ثلاث قطع ، واحدة خلف الأُخرى ، ويفصل  بينهم مسافة

وتقول قواميس اللغة العربية أن كلمة (( مقطم )) معناها(( مقطع )).

4) نتائج المعجزة

كان لهذه المعجزة الجبارة عدة نتائج هامة منها :

1) تجديد الكنائس وترميمها :

بعد أن تمت المعجزة ، أنفرد الخليفة المعز لدين الله الفاطمى بالبابا ، وقال له :- الآن أطلب ما تشاء فأفعله لكَ ..

فأجاب البابا بحكمة :- لا أطلب إلا أن يطيل الله حياتك ، ويمنحك النصر على أعدائك ..ولكن الخليفة أصر أن يطلب البابا شيئاً .. فقال البطريرك:- مادمت تلح علىّ فى أن أعلن لكَ رغبتى ، فأسمح لى بأن أقول أننى أتوق إلى أعادة بناء كنيسة القديس مرقوريوس أبى سيفين ، ببابيلون ( مصر القديمة ) ، إذ قد هدمها بعض السوقة ، والرعاع ، وأستعملوا ما بقى منها كمخزن للقصب ، وكذلك أود ترميم جدران كنيسة المعلقة ، إذ أصابها بعض التصدع .

وما إن سمع الخليفة هذه الطلبات حتى أمر أحد كتبة الديوان بأن يحرر مرسوماً فوراً يعطى البطريرك الحق فى العمل كما طلب …ثم أمر أن تصرف النفقات اللازمة من خزانة الدولة ..أخذ البابا المرسوم الذى يصرح له بالبناء والترميم وأعتذر عن أخذ المال ، وقال للخليفة :

– إن الذى نبنى له كنيسة قادر على أن يساعدنا حتى نتممها ، وهو غير محتاج إلى مال العالم ، وأعادوا بناءها … إنها حياة القناعة والأكتفاء .. فالقديس البابا الأنبا ابرآم لم يطلب من الخليفة أية أمور أو مقتنيات شخصية ..

وقد كان تجديد بناء كنيسة مرقوريوس أبى سيفين فاتحة عهد من البناء والتجديد ، فتجدد عدد كبير من الكنائس وخاصة فى الأسكندرية .

2) ســلام الكنيسة :

كان لمعجزة نقل جبل المقطم أثر عميق فى نفوس الجميع وصارت رهبة الله على الكبير والصغير فى الدولة إذ يسجل التاريخ ذلك بقوله :[ حل السلام محل الثورة و الحرب ، فأمتلأ قلب الأنبا ابرآم طمأنينة على شعبه الأمين .. ]  (30)

ومن أسباب السلام الذى عم الكنيسة هو ما قيل عن الخليفة نفسه أنه آمن بالمسيح و تعمد (31) وهذا يذكرنا بما حدث مع أمبراطور الدولة الرومانية ، الأمبراطور قسطنطين الكبير ، الذى بعد أن رأى راية الصليب فى منامه ، وتم له النصر فى معاركه ، آمن بالمسيح .

ليس شئ عسير على الرب إذ تسـتطيع نعمـة الله أن تدخل إلى بلاط الملوك والأباطرة ، وتسبى سبياً وتعطى الناس عطايا ، فمعلمنا القديس بولس يكتب قائلاً : ” يسلم عليكم جميع القديسين ولاسيما الذين من بيت قيصر .. ” (فى 4 : 22) .

5) تخليد ذكرى المعجزة

لقد شاءت عناية الله أن تخلد هذه المعجزة على مدى الأجيال حتى تظل باقية فى وجدان الناس ، لا تمحوها الأيام ولاتنساها الأذهان ، بل تظل شاهدة بمجد الله ، وقدرته الفائقة ، التى تستطيع أن تهز الجبال وتنقلها … وستظل هذه المعجزة تحكى للعالم كله فى كل جيل ، أن أبواب الجحيم لن تقوى على كنيسة الله ، بل كل آلة صورت ضدها لاتنجح ..

ولقد جسد قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث كل هذه المعانى فى قصيدته ” إلى الكنيسة ” نقتطف منها بعض الآبيات ..

إن أبــــواب الجحـيم                 سوف لاتقـوى عليـكِ

فأطمــئنى وأســتريـحى              إنما المصـلوب معـكِ

أسألى عهد المعــــــز                   فهو بالخـبرة يعلـم

أسأليه كيف بالإيمــانِ                    حركــتِ المقطــــم

جبل قد هُــزَ منــكِ                       وإذا شئتِ تحطــــم

أيهــا الناسى رويداً                       قَلبْ التاريخ تفهم

أما الوسائل التى خلدت ذكرى هذه المعجزة فهى :

1) صوم الثلاثة أيام السابقة لصوم الميلاد :

فقد قرر البابا الأنبا ابرآم السريانى أن يجعل الأيام الثلاثة التى صامتها الكنيسة بخصوص هذه المعجزة ، فريضة دائمة فى الكنيسة ، يصومها جميع الأقباط .. وهى الثلاثة أيام التى تسبق صوم الميلاد ، والذى كانت مدته 40 يوم فقط ، وبعد ضم هذه الأيام الثلاثة أصبح مدته 43 يوماً تبدأ يوم 25 نوفمبر من كل عام ..

وهذا ماسجله التاريخ عن ذلك :[ ألحق الأنبا ابرآم بصوم الميلاد ثلاثة أيام ، بعد أن كان يصام أربعين يوماً فقط ، وهذه الثلاثة أيام هى التى صامها المسيحيون فى عهد هذا البطريرك ، ليرفع عنهم الويل الذى كان مزمعاً أن يحل بهم بسبب مكيدة الوزير اليهودى يعقوب بن كلس .. ] (32)

2) أيقونة القديسين الأنبا ابرآم وسمعان الخراز :

تزين الجدار البحرى بصحن كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالمعلقة بمصر القديمة ، أيقونة يرجع تاريخ رسمها إلى القرن الخامس عشر الميلادى ( أى بعد خمسة قرون من المعجزة ، ولابد أنها مأخوذة من صورة أخرى غير موجودة الآن ) ، وتمثل صورة الأنبا ابرآم ، والقديس سمعان الخراز ، وتظهر معهما فى الأيقونة صورة السيدة العذراء (33) .

3) بناء كنيسة بأسم القديس سمعان الدباغ بجبل المقطم :

شاءت إرادة الله أن تُبنى أول كنيسة بأسم القديس سمعان الخراز .. تخليداً لذكرى هـذه المعجزة بعد عشرة قرون من حدوثها .. وقد بُنِيَت فوق جبل المقطم نفسه فى عهد قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث ، عام 1974 م – كما سنرى فيما بعد .

6) بحث فى تحديد تاريخ المعجزة

لقد سجل التاريخ معجزة نقل جبل المقطم ، موضحاً أنها تمت فى عهد المعز لدين الله الفاطمى ، وفى عهد البابا الأنبا ابرآم السريانى البطريرك الثانى والستين (62) ، وعلى يدى القديس سمعان الخراز .

ولكن التاريخ لم يذكر اليوم والشهر والسنة التى حدثت فيها المعجزة .. الأمر الذى يثير الدهشة حقاً .

وربما كان سبب ذلك عند مؤرخى تلك الحقبة ، أن المعجزة فى واقعها الخارق كانت لاتحتاج إلى ثبت تاريخى ، لأن يوم حدوثها  كان يوماً لايُنسى ، محفوراً  فى وجدان الجماهير بقوة تأثيرها الذى زلزل الكيان ، فلن يُمحى من الأذهان ، على مدى الزمان ..

ولكن الأنسان هو الأنسان فمن طبعه النسيان .. وأكتشف التاريخ تقصيره فى تحديد تاريخ المعجزة .

والواقع أن الوصول إلى تحديد يوم وشهر وسنة المعجزة ليس بالأمر العسير ، بل يمكن الوصول إليه بمقابلة ومقارنة الأحداث التى حدثت فى زمان المعجزة .. وهذا ما سوف نحاول بنعمة الله وحكمة روحه القدوس أن نستوضحه فى هذا البحث …

1) تحديد سنة المعجزة :

لكى نصل إلى استنتاج تاريخ السنة التى حدثت فيها المعجزة ، لنستعرض الأمور التالية :

(أ) لابد وأن المعجزة قد وقعت فيما بين عامى 975م و 979م :

فقد حدثت المعجزة فى عهد البابا الأنبا ابرآم السريانى .. وهذا البابا رُسِمَ بطريركاً سنة 975م وتنيح عام 979م … فتكون المعجزة محصورة بين هذين التاريخين.

(ب) لابد أن المعجزة قد وقعت فى سنة تجديد كنيسة أبى سيفين :

فقد كان تجديد هذه الكنيسة نتيجة من نتائج المعجزة ، عندما ألح الخليفة على البابا أن يطلب شيئاً لينفذه له ، فطلب البابا تصريحاً بتجديد كنيسة مارقوريوس أبى سيفين بمصر القديمة …

فيقول التاريخ :[ فأمر للوقت أن يكتب سجل تمكينه من ذلك .. ] (34) .

ويقول التاريخ أيضاً :[ أمر الخليفة أن تُعطى له كنيسة أبى سيفين فى الحال .. ] (35) .فكلمة ” للوقت ”  وكلمة ” فى الحال ” تدل على أن التصريح بتجديد الكنيسة ، وتسليم الكنيسة أيضاً ، قد حدثا عقب المعجزة مباشرة أى فى سنة المعجزة ..

وثابت أيضاً من التاريخ أن البدء فى تجديد الكنيسة قد حدث أيضاً فى غضون المعجزة أى فى الحــــــال أيضاً بعد أخذ التصريح وأستلام الكنيسة ، بدليل ما سجله التاريخ من أحداث وقت البدء فى إعادة الكنيسة إذ قال :[ وحين قرئ المرسوم الذى أصدره المعز أمام باب كنيسة أبى سيفين ، تجمع الرعاع محتجين صاخبين معلنين أنهم لن يسمحوا لأحد بأن يعيد بناء الكنيسة ..

وسمع الخليفة بما حدث ، فغضب غضبة مضرية دفعته إلى أن يمتطى جواده ، ويذهب على رأس جيشه إلى بابيلون ، إلى البقعة التى يبغى الأنبا ابرآم العمل فيها ..وما أن وصل إليها حتى أمر البنائين بالعمل أمامه وتحت اشرافه ، وحين رأى الرعاع هذا الحزم من الخليفة المعز وقفوا صامتين ينظــرون إليــه وكأن على رؤوسهم الطير .. ].

هذه الوقائع تؤكد لنا أن بناء كنيسة أبى سيفين تم عقب المعجزة مباشرة ، فالخليفة لازال متأثراً ومتحمساً .. فيأتى بنفسه لتمكين البابا من العمل .

والثابت فى التاريخ أن أعادة بناء كنيسة مرقوريوس أبى سيفين هذه قد حدث سنة 979م (37) .

(ج) إذن فالسنة التى حدثت فيها المعجزة هى سنة 979 م تقريباً  

لأنها السنة التى حدث فيها إعادة بناء كنيسة مرقوريوس أبى سيفين عقب المعجزة مباشرة …

2) تحديد يوم المعجزة :

(أ) من الثابت تاريخياً أن البطريرك الأنبا ابرآم قد نادى بصوم ثلاثة أيام م أجل المعجزة ، إذ قال للأساقفة والكهنة والشعب الذين جمعهم فى كنيسة المعلقة :[ علينا بالصوم والصلاة هذه الأيام الثلاثة التى أستمهلته أياها ، ليترأف الله علينا بنعمته ويهئ لنا طريق النجاة .. ] (38) .

(ب) ومن الثابت أيضاً أنه فى ثالث أيام الصوم حدثت المعجزة .. إذ يقول التاريخ :  [ وفى صـباح اليوم الثالث أخـبر البطـريرك الخـليفة بأنـه عــازم على نقل الجبل] (39) .

(ج) وثابت فى التاريخ كذلك أن أيام الصوم الثلاثة هذه قد أُلِحقت بصوم الميلاد إذ قيل: [ ثم أُلحِقَ بصوم الميلاد ثلاثة أيام ، بعد أن كان يصام أربعين يوماً فقط .. وهذه الثلاثة أيام هى التى صامها المسيحيون فى عهد البطريرك ليرفع عنهم الويل الذى كان مزمعاً أن يحل بهم بسبب مكيدة الوزير اليهودى … ] (40) .

(د) والسؤال التفصيلى هنا ، لماذا أُلحِقَ صوم الثلاثة أيام الخاصة بنقل الجبل بصوم الميلاد بالذات ؟!!

هل تم ذلك جُزافاً ، بلا حكمة ؟!!كيف يُعقل أن يتم ذلك بدون حكمة ؟!!وكيف تقبل الكنيسة تصرفاً مثل هذا ؟!! إذن لابد وأن تكون هناك حكمة ، وعلاقة بين الأيام الثلاثة وبين صوم الميلاد …

(هـ) لو كان أمر ألحاق هذه الأيام الثلاثة لأى صوم متروكاً لأختيار الكنيسة ، لكان من باب أولى أن تضمه إلى صوم يونان ، أو صوم السيدة العذراء ، وذلك لما يآتى :

1) إضافتها إلى صوم يونان :

صوم يونان قد أدخله البابا ابرآم السريانى نفسه الذى أدخل صوم الثلاثة أيام الخاصة بنقل جبل المقطم … وذلك لأنه كان سريانياً ، والكنيسة السريانية كانت تصوم صوم يونان … فعندما رُسِمَ بطريركاً للكنيسة القبطية داوم على صومه فى موعده فأقتدى به الشعب، وحافظت الكنيسة على هذه العادة ليومنا هذا .. (41)

فلو كان أمر ألحاق صوم الثلاثة أيام الخاصة بنقل جبل المقطم متروكاً لأختيار البابا ، لضمه إلى صوم يونان ، خاصة وأن الصومين يشتركان فى الجوهر ، وهو أنهما صوم شدائد.

فصوم يـونان كان بسبب الشدة التى أجتاحت أهل نينوى ، فطلبوا مراحم الله .. وصوم نقل جبل المقطم كان بسبب الشدة أيضاً التى أجتاحت أهل مصر .. فطلبوا مراحم الله .

علاوة على أن أضافة ثلاثة أيام إلى ثلاثة أيام يكون مجموعها ستة أيام ، وهى مدة بسيطة ، بخلاف اضافة الثلاثة أيام إلى أربعين يوماً ، فتصبح ثلاثة وأربعون يوماً ، وهى مدة ليست بقليلة ..

2) إضافتها إلى صوم السيدة العذراء :

ولو كان الأمر متروكاً لأختيار الكنيسة أن تضم الثلاثة أيام الخاصة بنقل الجبل إلى أى صوم ، لجاء فى الأعتبار الثانى ، أن تُضَم إلى صوم السيدة العذراء (42)  وذلك لأن السيدة العذراء بنفسها هى التى ظهرت للبابا البطريرك وأرشدته إلى القديس سمعان الخراز ، فكان من باب أولى أن تُضاف هذه الأيام الثلاثة إلى صومها تمجيداً لها وتذكاراً لشفاعتها ..

وحيث أن هذه الأيام الثلاثة لم تُضَف إلى هذين الصومين بما لهما من أولوية وأحقية فى ذلك ، يبقى إذاً السؤال المعلق لماذا أُلحِقَت بصوم الميلاد بالذات ؟!!

فى محاولة للإجابة على هذا التساؤل نقول أن البابا البطريرك الأنبا ابرآم السريانى يبدو من التاريخ أنه كان مدققاً فى حفظ مواعيد الأصوام بحسب مناسبتها ، إذ يسجل التاريخ قائلاً:

[ ولما جاء ميعاد صوم نينوى صــامه ، فأقتدى به بنوه ،  ومن ثم حافظت الكنيسة القبطية علي هذه العادة ليومنا هذا ] (43)

فمن المُرجح والأمر كذلك أن يكون صوم الثلاثة أيام الخاص بنقل جبل المقطم قد صامه الشعب قبل صوم الميلاد مباشرة ، بالصورة التى حافظت عليها الكنيسة إلى يومنا هذا .

وكان بدء صــوم الميلاد هو يوم 28 نوفمبر من كل عام حتى يوم عيد الميلاد .. أى 40 يوم ، وعندما أضيف صوم نقل جبل المقطم إليه أصبحت جملة الصوم 43 يوم  وتبدأ يوم 25 نوفمبرمن كل عام ..

وحيث أن المعجزة قد حدثت ثالث أيام الصوم فيكون يوم حدوثها هو يوم 27 نوفمبر ..

ونتيجـة لهذا البحث إذا صح الأستنتاج .. يكون تاريخ المعجزة هو 18 هاتور سنة 695 للشهداء .. أى فى يوم 27 نوفمبر سنة 979 ميلادية …

3) الأحتفال بتذكار هذه المعجزة :

على كل حال .. سواء صح هذا الأستنتاج أو لم يصح، فأنه من المناسب أن يتم الأحتفال بتذكار معجزة نقل جبل المقطم خلال الثلاث أيام الأولى من جملة صوم الميلاد أى من يوم 25 نوفمبر إلى يوم 27 نوفمبر من كل عام … لأنها هى الأيام التى أُلحقت بصوم الميلاد تذكاراً لمعجزة نقل جبل المقطم .. فمن ثم ينبغى أن تكون هذه الثلاثة أيام بالذات فترة نهضة روحية واجتماعات يومية ، وقداسات إلهية تخليداً لهذه المعجزة الخارقة ، وحتى تذكر الأجيال قوة الله الفائقة ، وأنتصارات الإيمان ، وغلبة الكنيسة لكل قوى الشر ، وعلى كل أبواب الجحيم ، وكل آلة صورت ضدها ، بحسب الوعود الألهية الصادقة والأمينة …

” وأنا أقول لكَ أيضاً أنتَ بطرس وعلى هذه الصخرة أبنى كنيستى وأبواب الجحيم لن تقوى عليها “(مت18:16)

” كل آلة صورت ضدك لاتنجح وكل لسان يقوم عليك فى القضاء تحكمين عليه ..” ( أش 54 : 17 )

إلهى العظيم ، أشكرك لأن غير المستطاع عند الناس مستطاع عندك … فمهما كان الجبل عظيماً ، فقوتك أعظم ..

سيدى هبنى الإيمان والثقة الكاملة فى يدك التى ترفع الجبال .. أسمح لى ياسيدى أن آتى إليك ملتمســـاً قائلاً:

” ياسيد أُومن فأعن ضعف إيمانى .. ” أضع يدى الصغيرة العاجزة فى يدك الكبيرة القادرة التى تنقل جبال الضعف والشك والخطية من قلبى .. وأعنى لأستمر واثقاً فيك متكلاً فخوراً بكَ . آمين.


كتب نيافة الأنبا سارافيم عن تسجيل مارك بولو لأحداث المعجزة :

THE MIRACLE OF MOKATTAM MOUNTAIN

RELATED BY MARCO POLO

The story of the miracle of Mokattam Mountain is one with which every Coptic Orthodox Christian is familiar. It tells how during the reign of the Fatimid Caliph al-Mu‘izz Li Din Illah (969-975) his Islamized Jewish vizier sought to embarrass the Coptic Pope, Saint Abraam the Syrian (975-978), by quoting the biblical injunction, “If ye have faith as a grain of mustard seed, ye shall say unto this mountain, Remove hence to yonder place; and it shall remove” (Matthew XVII: 20).

Having acknowledged the authority of this text, the Caliph then challenged Pope Abraam to prove its veracity by moving the Mokattam Mountain, which towered over the new city of Cairo. He was given three days to work this miracle of faith or face three unpalatable alternatives: acceptance of Islam, forcible emigration or the sword. The Pope called on all Christians for a holy fast and to offer fervent prayers, during which the Holy Virgin Saint Mary appeared to him and warned him to look out for a one-eyed tanner and shoe-maker called Samaan, through whose prayers the miracle would be effected. The Pope sought and found Samaan so that when the caliph assembled everyone together to put the Christians’ faith to the test, Samaan’s prayers were joined with the others and the mountain moved three times terrifying the caliph and the crowds who had gathered. After this event the Christians were treated with greater consideration and Pope Abraam was authorised to restore many of the ancient churches of Cairo which had fallen into disrepair.

The principal authority for these events is the Coptic History of the Patriarchs by Bishop Sawirus ibn al-Muqaffa‘, who was closely associated with both the Caliph and Pope Abraam and therefore wrote with authority as an eye-witness of the Mokattam miracle.

However, the events were sufficiently memorable for them to be common knowledge throughout the Middle East, so that the Venetian explorer, Marco Polo (died circa 1324) recounts them in his Travels. Polo believes the miracle had taken place in 1225 (only a couple of generations earlier than when he had heard the story) and places it somewhere in modern Iraq without giving any of the names of the principal protagonists but it is immediately recognisable as the miracle of Mokkatam Mountain. There are of course minor variations between the accounts of Polo and Bishop Sawirus (the Caliph is hostile rather than manipulated by his vizier; they are given ten, rather than three days grace; the vision is of an angel rather than Saint Mary; and it is made public to all the Christians rather than the quiet one-to-one exchange between Pope Abraam and Saint Samaan) but in other respects Polo recounts the story he has been told faithfully, which is possibly a testimony to the reliability of oral tradition.

“The miracle which I will relate to you took place between Baghdad and Mosul. In the year of the Incarnation of Christ 1225 there lived a Caliph at Baghdad who was very ill-disposed towards the Christians. Day and night he was for ever thinking how he could convert all the Christians in his country into Saracens or, failing that, have them all put to death. And on this problem he continually sought the advice of his men of religion and counsellors. For they all joined with him in wishing ill to the Christians; indeed, it is a fact that all the Saracens in the world are agreed in wishing ill to all the Christians in the world. Now it happened that the Caliph and his advisers hit upon the following text. They found it written in one of the Gospels that, if there were a Christian who had faith as great as a grain of mustard seed, then by praying to the Lord his God he could make two mountains join together. When they found this, they were overjoyed: here, they declared, was a pretext for converting the Christians into Saracens or else putting them all to death. Thereupon the Caliph sent for all the Christians, Nestorians and Jacobite, that were in his country, who amounted to a very great number. When they had come before him, he showed them this passage and had it read to them. After they had read it, he asked them if it was true. They replied that it was most certainly true. ‘Then do you affirm,’ said the Caliph, ‘that a Christian whose faith is as a grain of mustard seed is able by praying to his God to make two mountains join together ?’ ‘Certainly we do,’ said the Christians. ‘Then,’ said the Caliph, ‘I will set you a test. Among so many Christians, there must surely be one who has a little faith. Therefore I tell you this: either you will move this mountain, which you see there,’ and he pointed to a mountain not far away, ‘or I will make you all die an evil death. For, if you do not make it move, you will show that you have no faith. So you will all be put to death; or else you will be converted to the good law that Mahomet our prophet has given us, and will have true faith and be saved. To do this I will allow you ten days’ grace. And if at the end of that time you have not done it, I will have you all put to death.’ After that the Caliph spoke no more and gave the Christians leave to depart.

When the Christians heard the Caliph’s words, they were greatly perturbed and very much afraid of death. All the same, they had good hope that their Creator would deliver them from this great peril. A council was held of all the learned Christians who were their prelates; for they had bishops and archbishops and priests in plenty. But they could see no way out of it but to pray to the Lord their God that He of His pity and mercy would send them guidance and deliver them from such a cruel death as the Caliph would inflict upon them if they did not do as he commanded. What more shall I say ? You may be sure that the Christians spent day and night in prayer, and earnestly besought the Saviour, God of heaven and earth, that He of His pity would deliver them from the great peril that they were in.

In this solemn prayer and supplication the Christians continued eight days and eight nights, male and female, great and small. While they were thus occupied, it happened that an angel came in a vision bringing a message from God to a certain bishop, who was a man of very holy life. ‘O bishop,’ he said, ‘go now to such-and-such a shoe-maker, a man with one eye, and tell him to pray that the mountain may move; and the mountain will move forthwith.’

Now, as to this shoe-maker, I will tell you what sort of man he was and whgat life he led. You may be well assured that he was a man of great probity and chastity. He fasted much and committed no sin. Every day he went to Church and to Mass. Every day he gave away some of his daily bread for God’s sake. He was a man of such virtuous character and such holy life that you could find none better, near or far. I will tell you of one thing he did that will convince you that he was a good man of good faith and good life. He had often heard the lesson read from the Holy Gospel; that if thine eye offend thee thou shouldst pluck it out of thy head or blind it, so that it may not cause thee to sin. It happened that one day a beautiful woman came to the house of this shoe-maker to buy shoes. He wished to see her leg and foot, so as to see which shoes would fit her. So he asked her to show her leg and foot, and she promptly did so. And without doubt she had a beautiful leg and a beautiful foot, so that you could not ask for greater beauty. And when the master of the shop, who was as virtuous a man as I have described him, saw this woman’s leg and foot, he was forthwith tempted, because his eyes looked on them with pleasure. He let the woman go and would not sell her the shoes. When the woman had gone, the master said to himself: ‘ah, false traitor that you are, what are you thinking of ? Surely I will take heavy vengeance on these eyes of mine which offend me so.’ There and then he took a little awl and made it very sharp and thrust it into the midst of one of his eyes in such a way that he burst the eye inside his head, so that he never saw with it again. So he was certainly a very holy and virtuous man. And now to return to our story.

Now you may be sure that when this apparition had come several times to the bishop, bidding him send for the shoe-maker so that he by his prayer might make the mountain move, the bishop gave a full account of it to his fellow Christians. And they were all in favour of summoning the shoe-maker to come before them. And so they did. When he had come, they told him that they wished him to pray God to move the mountain. At first he declared that he was not such a good man that the Lord God would do so great a thing in answer to his prayer. But the Christians begged him and coaxed him. And what need of more words ? They begged him to such purpose that he promised to do as they wished and make this prayer to his Creator.

When the last of their days of grace had come, the Christians rose early in the morning, make and female, great and small, and went to church and chanted the Holy Mass. After they had chanted and performed all the service of our Lord God, they set out all together towards the plain at the foot of the mountain, carrying the Cross of the Saviour before them. When the whole company, who numbered fully 100,000 souls, had come to this plain, they stationed themselves before the Cross of the Lord. The Caliph was there, with such a great multitude of Saracens that it was a marvel to behold; they had come to kill the Christians, because they did not in the least believe that the mountain would move. And all the Christians, great and small alike, were filled with fear and doubt; but all the samne they had good hope in their Creator. And when all these people, Chrisatians and Saracens, were in this plain, then the shoe-maker fell on his knees before the Cross and lifted his hands to heaven and besought his Saviour that the mountain might moveand that such a multitude of Christians as were assembled might not be put to a cruel death. When he had finished his prayer, he cried: ‘In the name of the Father, the Son, and the Holy Ghost, I command thee, mountain, by the virtue of the Holy Ghost, to depart thence.’ He had barely ceased speaking when the mountain began to crumble and to move. When the Caliph and the Saracens saw this, they were dumbfounded, and many of them turned Christian. The Caliph himself became a Christian, but in secret; for when he died, a cross was found round his neck. For this reason the Saracens did not bury him among the tombs of the other Caliphs, but put him in another place.

Now you have heard just how the miracle happened. Out of reverence to the show-maker and the grace vouchsafed to him, the anniversary of this miracle has been celebrated ever since by the Christians, both Nestorian and Jacobite, who regularly observe a solemn fast on the eve of the day. But in general, since Armenians, Nestorians, and Jacobites differ in certain points of doctrine, they repudiate and abhor one another.”

ABBA SERAPHIM